lundi 21 octobre 2024

انتاج كتابي حول رحلة مدرسية الى مكان تاريخي في تونس

انتاج كتابي حول رحلة مدرسية الى مكان تاريخي في تونس

كان اليوم الذي انتظرناه جميعًا قد حان أخيرًا، إنه يوم الرحلة المدرسية التي نظمتها المدرسة إلى أحد أهم المواقع التاريخية في تونس، قرطاج. منذ أن أُعلن عن هذه الرحلة قبل أسابيع، كان الجميع يتحدث عنها في الفصول الدراسية وبين الممرات، وكان الحماس يغمر قلوبنا. تجمعنا في ساحة المدرسة في الصباح الباكر، ونحن نحمل حقائب صغيرة بها زجاجات ماء وبعض الأطعمة الخفيفة، وعيوننا تلمع من الفضول والتوقعات حول ما سنكتشفه.

الأستاذ سمير، أستاذ التاريخ المحبوب لدينا، هو من سيتولى قيادتنا في هذه المغامرة. كان دائمًا ما يسرد لنا قصصًا مشوقة عن قرطاج وحضارتها العريقة، وكنا ننتظر بفارغ الصبر أن نرى بأعيننا تلك الأماكن التي كانت تملأ كتب التاريخ. بجانبي كانت صديقتي **سلمى وصديقي ياسين، نخطط سويًا منذ أيام لكيفية قضاء هذا اليوم وكيف سنستمتع بكل لحظة.

ركبنا الحافلة مع باقي الطلاب، وانطلقت الرحلة وسط ضحكاتنا وحديثنا المستمر. كان الأستاذ سمير يجلس في المقدمة، وأمسك بميكروفون الحافلة ليبدأ يشرح لنا بعض المعلومات عن قرطاج أثناء الطريق. "قرطاج لم تكن مجرد مدينة، بل كانت إمبراطورية قوية تنافست مع روما!" قال وهو يلوح بيديه بحماس، وكأن الكلمات نفسها تعيش بيننا.

عندما وصلنا أخيرًا إلى بوابة قرطاج، نزلنا من الحافلة بلهفة. كان المشهد أمامنا مذهلاً؛ أطلال تمتد على مد النظر، تحكي قصصًا عن حضارة قديمة وقوية. بدأنا جولتنا من الحمامات الرومانية، حيث كانت أحجارها العتيقة تروي حكايات من الزمن البعيد. وقفنا مستمعين للأستاذ سمير وهو يشرح كيف كانت هذه الحمامات مركزًا اجتماعيًا للرومان، تخيلت نفسي بينهم، أعيش في ذلك الزمن، أشعر بحياة تعج بالنشاط والرفاهية.

ثم انتقلنا إلى الجزء الأكثر انتظارًا من الرحلة: زيارة معبد التوفات، حيث كنا نسمع منذ صغرنا عن هذا الموقع الأثري المليء بالرمزية. كان المشهد غريبًا ومهيبًا في نفس الوقت. أصوات زملائي حولي خفتت قليلًا وكأنهم شعروا أيضًا بجلال المكان. اقتربت من سلمى وهمست لها: "هل يمكنكِ أن تتخيلي كم من الأشخاص قد مروا من هنا؟ كم من الأحداث التي شهدتها هذه الحجارة؟". ابتسمت وسلمى بدت متأثرة بالمشهد، ثم قالت: "هذه الأماكن تجعلك تشعر حقًا بأن التاريخ ليس مجرد قصص ندرسها، بل جزء من حياتنا."

استمر التجوال حتى وصلنا إلى تمثال حنبعل، القائد القرطاجي العظيم. كان التمثال ضخمًا، ووقفنا أمامه جميعًا بانبهار. قال الأستاذ سمير بصوت ملؤه الفخر: "هذا هو القائد الذي واجه الإمبراطورية الرومانية وجعل العالم يتحدث عن عبقريته في الحروب". تبادلت مع ياسين نظرات إعجاب، حيث كان ياسين شغوفًا بالتاريخ العسكري ويعرف الكثير عن حنبعل. بدأ يخبرنا عن تكتيكات حنبعل العسكرية، وكان يضيف بعض التفاصيل التي لم نكن نعرفها حتى من الأستاذ نفسه.

في طريقنا إلى متحف قرطاج، كنا نناقش كل ما رأيناه بحماس. دخلنا المتحف الذي امتلأ بالقطع الأثرية، كل قطعة منها كانت تحمل معها قصة من الماضي. الجرار الفخارية القديمة، والأدوات التي استخدمها القرطاجيون، وحتى العملات التي تداولت بين أيديهم، كلها كانت شاهدة على زمن بعيد. وقفت أمام خريطة كبيرة تعرض موقع قرطاج الاستراتيجي بين البحرين المتوسط والإفريقي. شعرت في تلك اللحظة بعظمة هذه المدينة، وكيف استطاعت أن تكون حلقة وصل بين القارات والشعوب.

بعد أن انتهينا من الجولة في المتحف، سمح لنا الأستاذ بأخذ استراحة قصيرة. جلسنا على مقعد خشبي مطل على البحر، وكانت الرياح تحمل معها نسائم البحر العليلة. جلست مع سلمى وياسين، ونحن نحدق في الأفق. البحر كان يمتد بلا نهاية، مثل التاريخ الذي نحاول فهمه واستيعابه. فجأة قالت سلمى: "هذا المكان يجعلك تفكر في كم هو صغير دورنا في الحياة، لكنه مهم، كما كان حنبعل وجيشه جزءًا صغيرًا ولكنه مهم في تاريخ البشرية". وافقها ياسين على الفور وقال: "نحن نكتب قصتنا الآن، وربما يومًا ما سيكون هناك أشخاص يقفون هنا ويتحدثون عنا."

عندما حان وقت العودة إلى المدرسة، شعرنا جميعًا بأننا قد حملنا معنا شيئًا أكثر من مجرد معلومات عن التاريخ. حملنا في قلوبنا قصصًا وذكريات ستبقى معنا طويلًا. ونحن في طريق العودة بالحافلة، كان الجميع هادئين نوعًا ما، وكأن هذه الرحلة أضافت لنا شيئًا جديدًا. تبادلنا نظرات التأمل، وكل واحد منا يفكر في ما شاهده واختبره. 

عندما وصلنا أخيرًا إلى المدرسة، ودعنا الأستاذ سمير وشكرناه على هذه الرحلة التي فتحت أعيننا على جانب آخر من تاريخ بلادنا. عدت إلى البيت وأنا أشعر بالفخر بانتمائي لهذا الوطن الذي يحمل في طياته حضارة عظيمة مثل قرطاج.

ربما كانت هذه مجرد رحلة مدرسية، لكنها في نظري كانت بداية لرحلة أطول، رحلة نحو فهم أعمق لجذورنا وهويتنا، والأهم من ذلك، شعور بأننا أيضًا نكتب فصلاً من فصول هذا التاريخ العظيم.



0 commentaires

Enregistrer un commentaire