vendredi 4 octobre 2024

انتاج كتابي حول سفر الاب

انتاج كتابي حول سفر الاب

 في صباح أحد أيام الخريف الباردة، استيقظت على صوت خطوات خفيفة تقترب من غرفتي. كانت والدتي تطرق الباب برفق، تدعوني للاستيقاظ والذهاب إلى المدرسة. نهضت من سريري ببطء وأنا أفكر في ذلك الشعور الغريب الذي كان يراودني منذ بضعة أيام، شعور بأن شيئًا ما سيحدث. دخلت إلى المطبخ لأجد والدي يجلس بهدوء أمام فنجان القهوة، بينما كانت والدتي تحضّر الإفطار. الجو في البيت كان مختلفًا عن المعتاد؛ كان هناك نوع من الصمت الثقيل الذي لم أعتد عليه.

"صباح الخير يا بطل،" قال والدي بابتسامته التي كنت أعشقها، لكنها كانت تخفي وراءها الكثير.

جلست إلى الطاولة وأنا أنظر إليه بتساؤل. شعرت أن هناك حديثًا مهمًا سيأتي. وفعلاً، بعد لحظات من الصمت قال والدي بصوت هادئ: "سأسافر للعمل في الخارج لفترة." كانت الكلمات بسيطة، لكن تأثيرها علي كان كبيرًا. شعرت بأن قلبي توقف للحظة. نظرت إلى والدتي لأرى كيف ستتفاعل، لكنها كانت تحاول أن تبقى قوية، رغم أنني كنت أرى في عينيها الحزن.

"أين ستسافر يا أبي؟" سألت بصوت خافت، وكأنني لا أريد سماع الإجابة.

"سأسافر إلى بلد بعيد للعمل في مشروع مهم. قد يستغرق الأمر بضعة أشهر، وربما أكثر قليلاً. لكنني سأبقى على اتصال دائم معكم." حاول والدي أن يبتسم ليطمئنني، لكنني لم أستطع التخلص من ذلك الشعور بالخوف من غيابه.

الأيام التي تلت هذا الخبر كانت مليئة بالمشاعر المختلطة. كنت أقضي كل لحظة ممكنة معه. في إحدى الأمسيات، اصطحبني والدي إلى حديقة الحي، تلك الحديقة التي كنا نذهب إليها منذ أن كنت صغيرًا. كانت الأشجار قد بدأت تتعرى من أوراقها، وكان الهواء باردًا يحمل رائحة الخريف. جلسنا على مقعد خشبي مطل على البحيرة الصغيرة، وتحدثنا لساعات.

"هل ستشتاق إلينا يا أبي؟" سألت وأنا أحاول أن أخفي دمعة كانت تحاول الانفلات من عيني.

"بالطبع، سأشتاق لكم كثيرًا، لكن العمل ضروري يا بني. أريد أن أؤمن لكم مستقبلاً أفضل." كان والدي دائمًا يفكر في مصلحتنا، ورغم أنني كنت أفهم ذلك، إلا أن فكرة غيابه كانت مؤلمة.

حل يوم السفر أخيرًا. استيقظنا باكرًا جدًا، وكان الجو في المنزل هادئًا بشكل غريب. والدتي كانت ترتب الحقائب في صمت، بينما كنت أراقب والدي وهو يرتدي معطفه ويستعد للمغادرة. خرجنا معًا نحو السيارة، وانطلقت بنا نحو المطار. كانت الرحلة صامتة، وكل واحد منا كان غارقًا في أفكاره. وصلت إلى المطار وأنا أشعر بأنني لا أريد أن يفارقنا والدي.

عند بوابة المغادرة، توقف والدي والتفت إلينا. احتضنني بقوة وقال: "كن قويًا يا بطل، سأعود قريبًا، وستكون الأمور على ما يرام." حاولت أن أتماسك وأبتسم له، لكنني لم أستطع أن أمنع نفسي من البكاء. كانت والدتي هي الأخرى تخفي دموعها، تحاول أن تبقى صلبة من أجلي.

غاب والدي خلف باب الصعود إلى الطائرة، وترك فراغًا كبيرًا في حياتنا. في الأيام الأولى بعد سفره، كان البيت يبدو خاليًا من الحياة. لم أكن أسمع صوته وهو يناديني، ولم أكن أشعر بوجوده في الأرجاء. لكن مع مرور الوقت، بدأت أتأقلم مع غيابه. كانت والدتي دائمًا تحاول أن تملأ هذا الفراغ بالحب والاهتمام. كنا نتحدث مع والدي عبر الهاتف كل يوم تقريبًا، وكان يخبرنا عن كل ما يحدث في سفره، وعن مشاريعه وأصدقائه الجدد.

ومع مرور الأشهر، بدأت أدرك أن الغياب ليس دائمًا أمرًا سيئًا. فقد علّمني غياب والدي أهمية القوة والصبر، وبدأت أتحمل المسؤولية أكثر في البيت. صرت أساعد والدتي في أعمال المنزل، وكنت أحاول أن أكون ابنًا يفخر به والدي عندما يعود.

في إحدى الليالي، كنت أجلس في غرفتي، أراجع دروسي، حين رن الهاتف. كانت والدتي هي التي ردت، وعندما سمعتها تتحدث بفرح، شعرت بأن شيئًا جيدًا يحدث. "والدك سيعود قريبًا!" قالت بابتسامة واسعة. شعرت بسعادة غامرة، وكأن حملاً ثقيلاً قد أزيح عن قلبي.

وأخيرًا، عاد والدي. عندما رأيته يدخل من باب البيت بابتسامته الدافئة، شعرت بأن كل شيء قد عاد إلى مكانه. احتضنني بقوة وقال: "اشتقت لكم كثيرًا." وأدركت حينها أن السفر قد يكون ضروريًا في بعض الأحيان، لكنه لا يغير مكانة الأسرة في حياتنا، بل قد يزيد من أهميتها ويجعلنا نقدّر وجود أحبائنا أكثر.



0 commentaires

Enregistrer un commentaire