موضوع فلسفة مع الاصلاح - محور النمذجة العلمية
الموضوع: هل النموذج إدراك للواقع ؟
المقدمة :
عرف تاريخ البشرية ثورات علمية أفضت من زاوية ابيستيمولوجية إلى مراجعة علاقة النموذج العلمي بالواقع ..
ما النمذجة ؟ وأي معنى للإدراك ؟ وهل النموذج العلمي هو وصف للواقع الموضوعي أم إنشاء له؟ وهل النموذج مجرد ادراك للواقع ام فعل وتحكم؟ واذا سلمنا بهذا هل الحقيقة هي تطابق النموذج العلمي مع الواقع ؟
1- العلم إدراك للواقع المعطى
1- تحديد المفاهيم (النموذج) والنظر في علاقة النموذج العلمي بالواقع المعطى :
يشهد العلم اليوم تطورات على مستوى مفاهيمه وتمشياته تجسمت في تأسيس النمذجة باعتبارها المسار الذي يؤدي إلى إنشاء نماذج ندرك بها الواقع ونتحكم فيه والنموذج العلمي هو تمثل تبسيطي و تقريبي لواقع معين قصد إدراكه وفق معايير صورية وتجريبية" بهدف حل مشكل بعينه.. يقول لوموانيه "المنمذج يبني صورا يعطيها دلالات من اجل التغيير"
النموذج العلمي في صورته التقليدية هو ادراك للواقع المعطى ومثاله التصور البطليموسي للواقع المادي بما يقيد أن الإدراك فعل حسي وان الواقع العلمي هو واقع مادي مستقل عن الذات المدركة أو العارفة وضمن هذا التوجه الوضعي للعلم ليس من معنى أو غاية للنمذجة سوى تفسير الواقع واكتشاف قوانينه الحتمية المتحكمة في ظواهره الطبيعية وصياغتها رياضيا.
2. النموذج العلمي والحقيقة : وعندها يكون الإدراك أداة لكشف الحقيقة المعبرة عن الواقع العيني والمطابقة له. وبتعبير آخر ما يرمي اليه العالم هو انشاء نموذج يتطابق مع الواقع الموضوع ويتناغم مع عملية الادراك التي تنطلق من ملاحظات حسية وتجارب بغاية اكتشاف حقيقة علمية تتميز بالاطلاقية والثبات.
2- العلم إنشاء لواقع مبني
1- إعادة النظر في علاقة النموذج العلمي بالواقع.
غير أن العلم اليوم تخلى عن الواقع المعطى نحو بناء واقع ذري ظهر مع الفيزياء المعاصرة انه واقع ميكروفيزيائي مما أدى إلى مراجعة أسس العلم ومعاني الإدراك. إذ لا يتعلق الأمر بادراك الموضوع والاقتصار على تفسير الظواهر الطبيعية والكشف عن العلاقات بينها بغاية استقراء القوانين. يقول باشلار "لا شيء معطى كل شيء مبني". ان العلم اليوم تحرر من الواقع المادي المعطى لكي يصبح فعلا إنشائيا على أن المقصود بهذا بناء واقع مشروع ما يؤكد فاعلية العقل. ومثاله دراسة الذرة ومكوناتها وحركة الالكترون وسرعتها.
انطلاقا من هذا المثال يتخطى النموذج العلمي اليوم شروط إدراك الواقع من ناحيتين الأولى لم يعد الإدراك عملية حسية والثانية ان الواقع ليس الواقع المعطى. وما يدعم هذا الفيزياء النظرية مع اينشتاين التي تؤكد أنها وليدة "الخيال" في معنى بناءات رياضية ومنطقية تساعد على فهم الواقع والإدراك ههنا فعل عقلي منطقي.
وبوجه عام المنمذج يتخيل واقعا من أجل أن يفهم الواقع. أضحي مفهوم الإدراك عملية إنشائية لواقع افتراضي يقول لودفيغ باسكال يمكن للنماذج التي يبنيها العلماء أن تتكلم عن أشياء لا يمكن أن توجد إلا في تامثل أو في بناء خيالي يكون هدفه الوحيد تنظيم معطيات أو التوصل لبعض التوقعات. يحيل النموذج إلى أشياء لا توجد إلا في ذهن العالم، فهو بناء خيالي يكون هدفه تنظيم المعطيات والتوصل إلى توقعات وعلى هذا الأساس أصبحت علاقة النموذج بالواقع افتراضية، فليس العلم محاكاة للواقع المعطى، وإنما هو نسق رموز صورية بسيطة من خلالها يتمثل المنمذج الواقع افتراضيا.
و هكذا نمر من الواقع المعطى إلى الواقع المنشأ، ومن الواقعي إلى الافتراضي، ومن الموضوعية التقليدية الآلية إلى النسق التفاعلي بين الذات والمشروع" ، ومن البسيط إلى المركب.
إلا أنه لا يمكن اختزال النموذج في علاقته بالواقع في أبنية صورية وعمليات رياضية افتراضية أو مجرد عملية ادراك مهما كانت معانيها لأن المنمذج يدرك أو يفهم لغاية التحكم في الواقع أي السيطرة على ظواهره بكيفية تتيح توظيفها والفعل فيها وفق غايات محددة فيكون النموذج فعالية معرفية وفي الوقت نفسه عملية ترتبط اساسا بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية. ويبرز النموذج وقيمته من ناحية ادراكية وعملية كان يساعد على اتخاذ قرار وهو ما يؤكد قدرته على تغيير الواقع والتأثير فيه فنحن لنمذج الواقع من أجل الفهم والفعل فيه. وبقدر ما تسعى هاهنا الى بيان العلاقة المتينة بين الجانب الادراكي والجاني العملي فهذا ما يؤدي الى تغيير دلالة الحقيقة
هل يتحدد العلم باعتباره إنشاءا للواقع لمعايير الصحة والخطأ أم يقوم على فعالية الصلاحية والملائمة ؟
2- النموذج العلمي والحقيقة ما أفضت إليه النمذجة العلمية في علاقتها بالواقع مراجعة لمفهوم الحقيقة العلمية ومعاييرها ونتائجها :
أن النمذجة العلمية المعاصرة في بعدها النظري لا تنحصر في تطابق النظرية مع الواقع لأنها لا تعتقد في وجود حقيقة موضوعية، بل تهتم بمدى تلاؤم النسق العلمي داخليا بنيويا رياضيا منطقيا بما يساعد على فهم الواقع الراهن، وهنا تلتقي الملائمة مع الصلاحية، بما أنها تهتم بالانسجام الداخلي للنسق الأكسيومي في علاقة بالفرضيات والنتائج من جهة أولى وفي علاقة بابتكار واقع افتراضي من جهة ثانية. وهكذا حررتنا النمذجة بشكل نهائي من فكرة الواقعي....والحقيقة المطلقة. وعلاوة على ذلك النمذجة العلمية لا تختزل في بعد نظري خالص لان من معايير الحقيقة ان المعرفة المشروع التي تنتجها النمذجة هي معرفة تحتكم الى معايير النجاعة والفعالية لأن النمذجة اليوم لا تفصل بين الادراك والفعل بين منزلة الادراك في عملية بناء العلم والجدوى او السيطرة على الواقع.
0 commentaires
Enregistrer un commentaire