وصف عامل
في عمق المصنع، حيث تتشابك أصوات الآلات المتواصلة مع الأضواء الساطعة، يظهر العامل منهمكًا في عمله. يقف أمام إحدى الماكينات الضخمة، يراقب دوران التروس بانتباه كلي. عيناه تتابعان كل حركة، كل اهتزاز، وكأنه في معركة يخوضها مع الدقة والوقت. يتحرك بمهارة بين الأزرار والمقابض، يعرف تمامًا ما يجب فعله ليضمن أن كل جزء يعمل بانسجام. يداه القويتان تعملان بسرعة وثقة، تضبطان البراغي وتفحصان الأجزاء الصغيرة بحذر، وكأنه فنان يرسم تفاصيل لوحته الأخيرة.
في لحظة، تتوقف الآلات فجأة، فيهرع إليها دون تردد. يفتح الغطاء المعدني ليكشف عن الداخل، ويتفحص القطع بتروٍّ. يتسلل العرق من جبينه، لكنه لا يعير ذلك اهتمامًا، فكل ما يهمه هو أن يعيد تشغيل الماكينة. يضع يده الملطخة بالزيت على أحد التروس، يديره بلطف، ثم ينظر إلى مؤشر الدقة، يراقب الأرقام تتصاعد ببطء. يستمع إلى صوت المحرك، يميّز من بين الضوضاء أي اختلاف في الوتيرة، ثم يبتسم ابتسامة خفيفة عندما تعود الماكينة للعمل بسلاسة.
خلال عمله، يظل منتبهًا لأي تغير في الأصوات أو الاهتزازات. في تلك اللحظات، يبدو وكأنه في حالة اندماج كامل مع الآلة، لا شيء يشتت تركيزه. حتى عندما يمر أحد زملائه بجواره، يكتفي بإيماءة خفيفة، ثم يعود سريعًا إلى متابعة العمل. كل دقيقة تمر عليه وهو في هذا الوضع تكشف عن حرفيته العالية وعن شغفه بتحقيق الكمال في ما يصنعه.
مع كل إنجاز، يشعر العامل بارتياح داخلي. إنه يدرك أن كل إصلاح، كل تعديل، هو خطوة نحو نجاح عملية الإنتاج بأكملها. كل مرة يعيد فيها تشغيل الآلة بنجاح تشعره بالفخر، وكأنها انتصار شخصي له. هذا الشعور يغمره بطاقة تجعله يتجاوز كل الإرهاق.
0 commentaires
Enregistrer un commentaire