نص وصفي عن منزل عتيق
في زاوية نائية من قريتنا، يقف منزل عتيق كأنه بقايا حلم قديم يحكي قصصًا عن أزمان مضت. جدرانه الحجرية السميكة، التي لم تعد تحتفظ بلونها الأصلي، تشعرك وكأنها ركام من حكايات متداخلة، كل حجر فيها يحمل أثر يد مرت عليه. الحجارة متآكلة، تغطيها طبقات من الطحالب الخضراء والنباتات البرية، وكأنها تحاول أن تعيد للحياة منزلًا احتضنه النسيان.
حين تقترب من المدخل، يستقبلك الباب الخشبي الثقيل، بلونه البني الداكن الذي اختلط بالغبار والعفن. الباب مغطى بشقوق عميقة وتآكلت حوافه، ويُصدر صريرًا كأنه أنين ذكريات بعيدة كلما حاولت فتحه. تشعر وكأن هذا الباب قد فتح واغلق مرات لا تُحصى على وجوه مرت من هنا، بعضها ضاحك وبعضها مهموم، جميعها طواها الزمن.
النافذتان الصغيرتان على جانبي الباب تتدلى منهما ستائر رقيقة من الدانتيل الأبيض، لكنه تحول إلى لون باهت بفعل الزمن. الزجاج مغطى بطبقة من الغبار تحجب الرؤية، ولكن من يمعن النظر يستطيع تمييز بقايا حياة مضت. خلف الزجاج، تتراءى ظلال لأشياء متربة قديمة مثل مصباح زيتي قديم ومقعد خشبي مهترئ.
في فناء المنزل، ترى حديقة كانت يومًا ما خضراء، لكنها اليوم أصبحت ميدانًا للأعشاب الطويلة والزهور البرية التي نبتت بعفوية. تمر بها نسمة هواء فتتراقص وكأنها تحتفل بعودة يوم جديد، رغم الإهمال. تتناثر فيها بقايا أوانٍ فخارية تحكي عن حياة كانت هنا، ربما كانت تستخدم لحفظ الماء أو الطعام، وهي اليوم مجرد ذكرى جامدة.
داخل المنزل، تفتح لك رائحة الخشب العتيق والبخور المتطاير من الماضي أبواب الذكريات. الأرضية الخشبية تُصدر صريرًا تحت خطواتك، وكأنها تريد أن تحكي لك عن كل من مشى عليها. الجدران مغطاة بصور قديمة، باهتة الأطراف، تحاكي أفراد عائلة اجتمعوا هنا يومًا ما في سعادة. الأثاث، رغم أنه مهترئ، إلا أن كل قطعة فيه تحمل لمسة من عبق الزمن؛ طاولة خشبية تحمل خدوشًا وعلامات استخدام متكررة، مقاعد ذات وسائد مهترئة لكنها تحتفظ بالدفء.
وفي إحدى الزوايا، يقبع صندوق خشبي قديم، ربما كان يحمل كنوزًا من الذكريات أو الهدايا. الصندوق مغلق بإحكام، لكنه يبدو وكأنه ينتظر أحدًا ليعيد فتحه ويعيد له روحه. إنه رمز لصمت الزمان الذي خيم على المكان، كأنما تركه أهله في عجلة من أمرهم ولم يلتفتوا خلفهم.
المنزل العتيق ليس مجرد جدران وسقف، بل هو كتاب مفتوح على ذكريات الماضي، كل ركن فيه يروي قصة، وكل تفصيل يحمل مشاعر دافئة لأجيال مضت. في هذا المكان، تشعر أن الزمن قد توقف، وأن الحنين يهمس في أذنك كلما جلست لتستمع لنبضات الهدوء المتغلغل في أرجائه.
0 commentaires
Enregistrer un commentaire