mardi 24 septembre 2024

انتاج كتابي حول رحلة الى الجنوب التونسي

انتاج كتابي حول رحلة الى الجنوب التونسي 

في صباح يومٍ من أيام الربيع، قررت عائلتي القيام برحلة طالما حلمت بها إلى الجنوب التونسي. كانت هذه الرحلة بمثابة مكافأة لي بعد انتهاء الامتحانات، وكانت فكرة اكتشاف هذه المنطقة التي سمعت عنها الكثير من القصص المليئة بالدهشة والإثارة تملؤني حماسًا وفرحًا.

انطلقنا من مدينة تونس في صباح يوم الجمعة، عندما كانت الشمس ترسل أولى خيوطها الذهبية على المدينة. كنا جميعًا في السيارة، والديّ في الأمام، وأخي الصغير بجانبي، متحمسين للرحلة التي كنا نخطط لها منذ أسابيع. قطعنا مسافات طويلة، حيث رأينا المناظر الطبيعية تتغير شيئًا فشيئًا؛ من الأراضي الخضراء والغابات إلى السهول المفتوحة، ثم بدأت رمال الصحراء تظهر في الأفق، تلمع تحت أشعة الشمس وكأنها بحر ذهبي.

بعد ساعات طويلة من السفر، وصلنا أخيرًا إلى وجهتنا الأولى، مدينة توزر، التي تُعرف بأنها بوابة الصحراء. عند دخولنا المدينة، شعرت كأنني دخلت عالمًا آخر، حيث تنتشر أشجار النخيل العالية في كل مكان، والبيوت المبنية من الطين تعكس طابعًا قديمًا يحمل في طياته عبق التاريخ.

استقبلنا هناك مرشدنا السياحي، عمي محمد، وهو رجل محلي في الخمسينيات من عمره، كان يرتدي لباسًا تقليديًا ويضع على رأسه شاشية. كان يعرف كل صغيرة وكبيرة عن المنطقة، وبدأ يتحدث معنا بحماس عن تاريخ الجنوب التونسي وثقافته، وكيف أن توزر كانت وما زالت واحدة من أقدم المدن في هذه المنطقة.

في اليوم الأول، أخذنا عمي محمد في جولة داخل واحة توزر الشهيرة. كانت أشجار النخيل تحيط بنا من كل جانب، تمتد ظلالها على الأرض لتخلق جوًا من الراحة والسكينة. كانت رائحة التمور تفوح في الهواء، مما جعلنا نشعر بجوع شديد. توقفنا تحت إحدى الأشجار، وقدم لنا عمي محمد بعض التمور الطازجة. كان طعمها لذيذًا للغاية، حلوة تذوب في الفم وكأنها قطعة من الجنة. جلست مع أخي الصغير نلعب تحت ظل النخيل، بينما كان والداي يستمتعان بجمال الطبيعة الهادئة.

في اليوم التالي، قررنا زيارة مطماطة التي سمعت عنها كثيرًا. انطلقنا في الصباح الباكر، حيث كانت السماء زرقاء صافية، ونسيم الصباح يملأ الجو بالانتعاش. عندما وصلنا إلى مطماطة، كانت المفاجأة بانتظارنا. البيوت هنا لم تكن مثل البيوت التي نعرفها، بل كانت محفورة داخل الجبال نفسها! كان المنظر مذهلًا، وكأننا دخلنا إلى عالم من الخيال.

دخلنا أحد هذه البيوت، وكان استقبالنا حافلًا من قبل سيدة مسنة تُدعى "الحاجة فاطمة". جلست الحاجة فاطمة معنا، وبدأت تروي لنا قصصًا عن حياتها في هذه القرية الجبلية، وكيف يعيش الناس هنا في تناغم مع الطبيعة. قدمت لنا كوبًا من الشاي الأخضر بالنعناع، وكنا نجلس نستمع لها باهتمام كبير. كان بيتها بسيطًا ولكنه دافئ، ومليئًا بذكريات أجيال مضت. شعرت حينها بمدى جمال البساطة وعمقها، وكيف أن هذه البيوت تحمل في جدرانها حكايات لا تُنسى.

وفي اليوم الثالث، قررنا القيام بمغامرة حقيقية في قلب الصحراء. استيقظنا قبل الفجر، وكان الجو باردًا بعض الشيء. توجهنا إلى مكان تجمع الجمال التي كانت تنتظرنا هناك. كانت هذه هي المرة الأولى التي أركب فيها جملًا، وشعرت ببعض الخوف، لكن حماسي كان أكبر من خوفي.

انطلقنا في رحلتنا عبر الصحراء، وكانت الرمال الناعمة تمتد أمامنا بلا نهاية. كانت الشمس تشرق تدريجيًا، وتلون السماء بالألوان البرتقالية والزهرية. كان المشهد مذهلًا، وكنت أشعر كأنني أعيش في حلم. خلال الرحلة، توقفنا عند كثبان رملية عالية، حيث تسلقنا إلى قمتها لنشاهد غروب الشمس. جلست مع عائلتي نشاهد ذلك المشهد الرائع، حيث تختفي الشمس تدريجيًا خلف الأفق، تاركة وراءها سماءً ملونة بألوان لا يمكن وصفها.

انتهت رحلتنا إلى الجنوب التونسي بعد ثلاثة أيام مليئة بالمغامرات والاكتشافات. في طريق العودة، توقفنا في سوق توزر التقليدي. كان السوق مليئًا بالحياة، والألوان، والأصوات. اشتريت سجادة صغيرة بألوان زاهية لتكون تذكارًا من هذه الرحلة التي لن أنساها. كما اشترينا علبة من التمور اللذيذة لنأخذها معنا إلى المنزل.

عندما عدنا إلى بيتنا في مدينة تونس، شعرت بحنين كبير إلى الجنوب. تلك الرحلة لم تكن مجرد نزهة، بل كانت تجربة غنية علّمتني الكثير عن جمال وطبيعة وثقافة هذه المنطقة من تونس. كانت تلك الأيام الثلاثة كافية لزرع في قلبي حبًا كبيرًا للجنوب التونسي، حبًا يجعلني أتمنى العودة إلى هناك يومًا ما، لأعيش مرة أخرى بين رمال الصحراء الذهبية، وأشجار النخيل الوارفة، وجبال مطماطة التي تحكي قصص الماضي بكل فخر واعتزاز.



0 commentaires

Enregistrer un commentaire