mercredi 11 septembre 2024

وصف الحلاق - وصف مهنة الحلاق

وصف الحلاق - وصف مهنة الحلاق

في حيّنا القديم، حيث الأزقة الضيقة والمنازل المتلاصقة التي تبدو وكأنها تحكي قصص الأجيال التي سكنتها، يقع دكان الحلاق العتيق، الذي لطالما كان مقصداً للرجال والصبية على حد سواء. الحلاق، واسمه العم حسن، رجل في منتصف الخمسينات، طويل القامة، ذو جسد نحيل ولحية قصيرة بيضاء، تضفي عليه مظهرًا مليئًا بالوقار والحكمة. يتجلى هذا الوقار في عينيه الهادئتين وابتسامته التي لا تفارق وجهه، حتى عندما يكون مشغولاً بقص شعر أحد زبائنه.

عندما تقترب من دكانه، يلفتك صوت الراديو القديم المثبت على رف خشبي عالٍ، يعزف ألحاناً من الزمن الجميل، تملأ الأجواء بشعور من الحنين. باب الدكان مفتوح دائماً، وكأن العم حسن يرحب بكل من يمر أمامه، فلا تكاد تمر حتى تشم رائحة مميزة، مزيج بين رائحة الصابون الطازج وزيوت الحلاقة التي يستخدمها الحلاق في عمله اليومي.

عند دخولك الدكان، أول ما يلفت انتباهك هو كرسي الحلاقة الكبير، والذي يتوسط المكان كبطل أسطوري. الكرسي مصنوع من الجلد البني اللامع، وقديم لدرجة أن كل جزء منه يبدو وكأنه يحمل ذكريات لآلاف الحلقات والقصات التي مر بها. يحيط به مرآة كبيرة تغطي الجدار من الأرض إلى السقف، تعكس كل زوايا الدكان وتجعله يبدو أكبر مما هو عليه.

العم حسن يعمل بيديه وكأنهما امتداد لطبيعته الهادئة. يبدأ بتمشيط شعر زبائنه بعناية، مستخدمًا مشطه الخشبي الذي احتفظ به لسنوات طويلة، ثم يمسك بالمقص الذهبي الذي يُقال إنه ورثه عن والده. بأصابع ماهرة ودقيقة، يقص الشعر كما لو كان يرسم لوحة فنية، يأخذ وقته في كل حركة، متأكداً من أن النتيجة ستكون مثالية.

على المنضدة الخشبية أمامه، تتناثر الأدوات بترتيب يعكس شخصيته المنظمة. هناك المشط والمقص والشفرة الحادة التي يحرص على تنظيفها بعناية بعد كل استخدام. إلى جانبها، تجد مجموعة من الزجاجات الصغيرة، تحتوي على زيوت عطرية بألوان زاهية، ولكل منها رائحة مميزة، يستخدمها العم حسن في تدليك رأس زبائنه بعد الانتهاء من الحلاقة، مما يمنحهم شعورًا بالانتعاش.

لا يقتصر عمل الحلاق على قص الشعر وحسب، بل هو أيضًا مستشار وصديق لزبائنه. أثناء جلوسهم على الكرسي، ينطلق حديث ودي بينه وبين الزبون، يسأل عن أحوالهم، يشاركهم بعض الأخبار، ويستمع إلى قصصهم. برغم انشغاله بالعمل، يظل الحلاق دائمًا حاضرًا في هذا الحوار، يمنح كل من يزوره إحساسًا بأنه جزء من العائلة.

حين تنتهي الحلاقة، يضع العم حسن اللمسات الأخيرة، يمسح شعر الزبون بقطعة قماش ناعمة، ثم يرش بعض الكولونيا العطرية التي تملأ المكان بعبقٍ جميل يدوم طويلاً. الزبون ينظر إلى نفسه في المرآة، يبتسم بامتنان، ويدفع للعم حسن بابتسامة رضاً على وجهه، مغادراً الدكان بشعور بالراحة والرضا.



0 commentaires

Enregistrer un commentaire