وصف عازف الكمان
في إحدى الأمسيات الهادئة، وقفت أمام المسرح الكبير حيث تصطف الكراسي بانتظام والجمهور ينتظر بترقب. الأنوار خافتة والهدوء يسود المكان، حتى انطلقت خطوات خفيفة لعازف الكمان وهو يصعد إلى خشبة المسرح. كان يبدو كما لو أنه جاء من عالم آخر، حيث أخذ مكانه في منتصف الخشبة بثقة وهدوء. كان يرتدي بذلة سوداء لامعة، وربطة عنق متناسقة، وشعره الكثيف ممشط بعناية، مما أضفى عليه مظهرًا كلاسيكيًا يجعلك تشعر كأنك في زمن آخر.
بين يديه كان يحمل الكمان، تلك الآلة الصغيرة في الحجم، الكبيرة في تأثيرها، لامعة كأنها مرآة تعكس ضوء المسرح. عندما أمسك بها، بدا كأنه يحتضن صديقًا قديمًا، أصابعه تنساب على الأوتار بخفة ورشاقة كراقصٍ محترف. القوس في يده اليمنى تحرك بانسيابية، يشبه ريشة فنان يرسم لوحة على إيقاعات من النغمات العذبة.
بدأ العزف، وفي تلك اللحظة شعرت أن الوقت توقف. عينيه أغمضتهما ببطء، كما لو أنه ينفصل عن العالم من حوله، ويدخل في عالم خاص مليء بالموسيقى والمشاعر. كانت ملامح وجهه تتغير مع كل نغمة؛ في البداية كانت الابتسامة ترتسم على شفتيه، وكأنه يتحدث بلغة خفية مع كمانه. ثم عندما تصاعدت الأنغام وأصبحت أكثر حدة، تَجَعدت جبهته قليلاً واشتدت ملامحه وكأنه يعبر عن عمق تلك الألحان بكل جوارحه.
ما أدهشني حقًا هو تلك العلاقة الساحرة بين العازف وآلته. كان يعامل الكمان وكأنه امتداد له، لا مجرد آلة. كانت كل حركة من يديه تترجم شعورًا، وكل نغمة تعكس فكرة أو قصة مخبأة. استمر العزف لبعض الوقت، لكنني شعرت وكأنني عشت سنوات من الجمال والصفاء في تلك اللحظات القليلة. وكأن صوت الكمان لم يكن مجرد صوت، بل كان شجنًا يتسلل إلى القلوب ويلامس الأرواح.
حين انتهى العزف، لم أتمكن من التوقف عن التفكير في تلك اللحظات. كانت تجربة غامرة جعلتني أدرك كم يمكن للموسيقى أن تعبر عن أحاسيسنا وتفاصيل حياتنا، بلغة يفهمها الجميع دون حاجة للكلمات.
0 commentaires
Enregistrer un commentaire