lundi 19 août 2024

انتاج كتابي حول مساعدة مسكين

انتاج كتابي حول مساعدة مسكين 

في صباح يوم خريفي بارد، كانت أوراق الأشجار تتساقط برفق من حولي بينما كنت أعود من المدرسة، منهكًا بعد يوم طويل من الدراسة. مررت بحديقة صغيرة تقع على زاوية الحي، حيث اعتدت أن أمضي فيها بعض الوقت للاستراحة قبل العودة إلى المنزل. لكن في ذلك اليوم، جذب انتباهي مشهد لم أكن أتوقعه.

على أحد المقاعد الخشبية القديمة، جلس رجل مسن، ينحني بظهره قليلاً وكأنه يحمل على كتفيه أثقالًا من الذكريات. كان يرتدي معطفًا قديمًا تآكلت أطرافه، وحذاءً مهترئًا يكاد لا يقيه من برودة الأرض. عيناه كانتا تغرقان في بحر من الحزن، وكأنهما تتوسلان لمن حولهما أن ينظروا إليه بعطف ورحمة. كان ينظر إلى الأرض بصمت، بينما كانت يداه تتشابكان بتوتر، وكأنهما تخفيان سرًا عميقًا.

توقفت لوهلة، مشدوهًا بالمشهد، شعرت بشيء ما يتحرك في داخلي. لم أستطع أن أتركه وحيدًا، فقررت أن أقترب منه. همست لنفسي: "ماذا يمكنني أن أفعل لأساعده؟" فكرت بسرعة، ثم تذكرت المتجر الصغير عند زاوية الحديقة. هرعت إليه، واشتريت شطيرة دافئة وزجاجة من العصير.

عندما عدت، كنت أشعر بشيء من القلق، هل سيقبل مساعدتي؟ هل سيفرح بها أم يعتبرها إهانة؟ اقتربت منه ببطء، وقدمت له الطعام بيد مرتعشة. رفع الرجل رأسه ببطء، وابتسم ابتسامة باهتة لكنها حملت في طياتها الكثير من الشكر والامتنان. نظر إلي بعينين تملؤهما الحكمة، وقال بصوت متعب لكنه دافئ: "أنت شاب طيب، جزاك الله خيرًا على هذه اللفتة الكريمة. لم أكن أتوقع أن يأتي أحد ليهتم بأمري اليوم."

أحسست بحرارة كلماته تملأ قلبي، وجلست بجانبه على المقعد. سألته بحذر: "عذراً يا عم، لكن لماذا تجلس هنا وحدك؟ ألا يوجد أحد يعينك أو يرافقك في هذه الحياة؟"

تنهد الرجل بعمق، وكأنني أعدت فتح جرح قديم. قال بصوت هادئ، وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يتحدث إلي: "كنت أعيش حياة عادية مع زوجتي، كنا نحلم بالمستقبل ونتطلع إلى الأيام القادمة. لكن القدر كان له رأي آخر، فقدت زوجتي في حادث سير منذ سنوات، ومنذ ذلك الحين وأنا وحيد في هذه الدنيا. لم نُرزق بأطفال ليبقوا بجانبي، لذا أصبحت أعيش على ذكرياتنا الجميلة، وأمضي وقتي هنا في الحديقة حيث كنا نأتي سويًا."

شعرت بغصة في حلقي، ولم أجد ما أقوله. كان قلبي مثقلًا بالأسى على هذا الرجل الذي قادته الحياة إلى هذه الوحدة. تمتمت بارتباك: "أنا آسف إذا كنت قد تسببت لك بأي ألم بذكري هذه الأمور."

نظر إليّ بلطف، وابتسم ابتسامة حملت كل معاني الأبوة وقال: "لا عليك، يا بني. لم تحزنني بحديثك، بل ذكرتني بأن هناك من يهتم بي ولو قليلًا. في الحقيقة، تخيلت للحظة أن لي ابنًا في مثل عمرك."

أثرت كلماته في نفسي بعمق، وعدت إلى المنزل مثقلًا بالأفكار. شاركت والدتي بما حدث، فلم تتردد لحظة في أن تعطيني بعض الملابس الدافئة والقليل من النقود لأعود بها في اليوم التالي إلى الرجل العجوز. وفي الصباح الباكر، عدت إلى الحديقة حيث وجدته جالسًا في نفس المكان، وكأنه ينتظرني. قدمت له الملابس والنقود، فشكرني بحرارة وأمطرتني دعوات الخير والبركة.

لم أتوقف عند هذا الحد. بدأت أتردد عليه يوميًا، أحضر له الطعام وأقضي معه بعض الوقت. حدثت والدي عن قصته، وطلبت منه أن يساعده في إيجاد عمل كريم يستطيع من خلاله أن يعيش بكرامة. وافق والدي على الفور، وأخبرني أنه سيفعل ما في وسعه لتحقيق ذلك.

مرّت الأيام، وأصبح الرجل العجوز جزءًا من حياتي اليومية. تعلّمت منه الكثير عن الصبر، القوة، ومعنى أن تكون إنسانًا. كان دائمًا يشكرني ويعبر عن امتنانه، لكنني كنت أعلم في قرارة نفسي أنني أنا من يجب أن يشكره، فقد علّمني درسًا لن أنساه أبدًا: أن البساطة والاهتمام بالآخرين يمكن أن يُحدثا فرقًا كبيرًا في حياة شخص ما.



0 commentaires

Enregistrer un commentaire