lundi 9 septembre 2024

انتاج كتابي حول عودة الاب من السفر

انتاج كتابي حول عودة الاب من السفر

 كان اليوم المنتظر قد حل أخيرًا. استيقظتُ مع أشقائي في وقت مبكر، وقلوبنا تخفق بالفرح والترقب. لم يكن هذا صباحًا عاديًا؛ فهو صباح مختلف يحمل معه عودة الأب الذي غاب عنا لشهور طويلة. كان المنزل يعج بالحركة والحيوية منذ ساعات الصباح الأولى. أمي كانت تتنقل بين المطبخ وغرف البيت، تجهز كل شيء بعناية فائقة، وكأنها تحاول أن تجعل من هذا اليوم لحظة لا تُنسى.

كانت الطاولة مُزينة بأزهار جميلة وألوان زاهية، ورائحة الخبز الطازج تعبق في الأجواء، ممزوجة برائحة القهوة التي لا تخلو من لمسة دفء. أخي الأصغر كان يقفز من غرفة إلى أخرى، لا يكاد يثبت في مكانه، بينما كانت أختي ترتب ألعابها الصغيرة وتجهز نفسها لمفاجأة أبيها بقصيدة قصيرة حفظتها خصيصًا لهذا اليوم. كلنا كنا في غاية الحماس، وكل دقيقة تمر كانت تزداد فيها لهفتنا.

مع اقتراب وقت وصول الأب، تكدسنا جميعًا عند النافذة. كان الشارع هادئًا، لكن عيوننا كانت تلمع بانتظار رؤية تلك السيارة التي ستنقل إلينا الشخص الذي افتقدناه بشدة. وفجأة، لمحنا سيارة الأجرة تقترب، فصاح أخي بصوتٍ عالٍ: "ها هو بابا!".

نزل الأب من السيارة بابتسامةٍ عريضة، وجهه كان مرهقًا من السفر الطويل، لكن عيناه كانتا تلمعان بالفرحة. ركضنا جميعًا نحوه، كأننا نحاول الوصول إليه أسرع مما تسمح به أقدامنا. احتضننا بقوة وكأن العالم كله توقف عند تلك اللحظة. شعرتُ بدفء صدره وهو يقول: "اشتقت إليكم كثيرًا". لم أستطع أن أمنع نفسي من الابتسام والدموع في آنٍ واحد، فقد عادت إلينا الأمان والحنان مع عودته.

دخلنا البيت معًا، حيث كانت أمي بانتظارنا على الباب بابتسامةٍ ملؤها السعادة. وقفت أمام أبي، وقد اختنقت الكلمات في حلقها، ثم قالت بصوتٍ متأثر: "الحمد لله على سلامتك، كأن البيت كان ينقصه روحه طوال غيابك".

جلسنا جميعًا حول المائدة التي كانت ممتلئة بكل ما يحبه أبي. وبينما كنا نتناول الطعام، أخذ أبي يروي لنا قصصًا عن مغامراته في السفر، وعن الأماكن التي زارها والأشخاص الذين قابلهم. كان الجميع يستمع بشغف، وكل واحدٍ منا لديه الكثير من الأسئلة. أختي الصغيرة لم تنتظر طويلاً، فاندفعت فجأة نحو أبيها وهي تقول بحماس: "بابا، اسمع هذه القصيدة التي كتبتها لك!"، وبدأت تلقيها بطريقتها الطفولية البريئة، مما أضحكنا جميعًا وأدخل البهجة في قلوبنا.

بعد العشاء، تجمعنا في غرفة الجلوس، حيث أخرج أبي الهدايا التي أحضرها لكل واحدٍ منا. كانت لحظات مليئة بالمفاجآت والابتسامات، لكن الأهم من كل ذلك هو الشعور بأن الأسرة عادت لتكتمل. ذلك الإحساس بالدفء الذي افتقدناه طوال فترة غيابه عاد ليملأ أرجاء البيت.

وفي المساء، بعدما خلدنا جميعًا إلى النوم، بقيت أمي وأبي جالسين في الحديقة يتبادلان الحديث بهدوء، وكأنهما يستعيدان الذكريات ويتخيلان المستقبل الذي سيعيشان فيه معًا. كانت تلك اللحظات مليئة بالحب والتفاهم، وكأن الغياب كان مجرد فصل مؤقت في رواية حياتهم.

في اليوم التالي، عاد كل شيء إلى طبيعته، لكن بنكهة مختلفة. صوت أبي وهو يوقظنا في الصباح ويطلب منا الإسراع للذهاب إلى المدرسة كان أجمل ما يمكن سماعه. شعرت أن الأيام المقبلة ستكون مليئة بالفرح، وأن غيابه لن يكون سوى ذكرى بعيدة.

بهذه العودة، عادت الابتسامة إلى بيتنا، وعادت الحياة إلى طبيعتها الدافئة. ومع كل لحظة تمر، ندرك كم كنا محظوظين بعودة أبي، وكيف أن غيابه جعلنا نقدّر تلك اللحظات البسيطة التي تجمعنا كأسرة واحدة.



0 commentaires

Enregistrer un commentaire