vendredi 23 août 2024

انتاج كتابي حول يوم حصاد - وصف موسم الحصاد

انتاج كتابي حول يوم حصاد - وصف موسم الحصاد

في صباح خريفي ساحر، كانت الطبيعة قد ارتدت عباءتها الذهبية، وكنتُ برفقة أختي متوجهين إلى الحقل الواسع. كان الضباب يتصاعد كدخان أبيض ناعم، يتلاعب به نسيم بارد محمل برائحة الطبيعة الهادئة. كان هذا الضباب يضيف لمسة سحرية إلى المشهد، كأننا نخطو داخل لوحة طبيعية حية، حيث تمتزج روائح السنابل الناضجة وزيتون الأشجار القديمة بالعبير الزكي لأشجار الغابة البرية.

مع ارتفاع الشمس، بدأت خيوطها الذهبية تتسلل من بين السحب، تتراقص بخفة فوق السنابل المائلة، وتغمر الأرض بأشعتها. كانت الأشعة تتخلل بين الحبات الذهبية وتنساب على جدران البيوت القديمة والحجارة المنتشرة. بدت الأرض وكأنها مفروشة بغطاء من الذهب الخالص، وكانت العطور الطبيعية تنبعث من كل زاوية، تملأ الجو بالنقاء والصفاء، وتخلق جواً من الانتعاش والإلهام.

في تلك اللحظات، كنا نركض بفرح وسعادة، ونلعب وسط السنابل العالية. خطواتنا السريعة وصراخنا الملون بالحماسة كان يثير العصافير المختبئة بين النباتات، فتطير فجأة، تغني بأصواتها الشجية وتملأ الفضاء بالحياة. من هنا، كان قفز قبرة خفيفة عبر النباتات، ومن هناك كان جندب يطير في الهواء، وتفزعنا سحلية صغيرة كانت تهرب بسرعة بين الأعشاب الجافة.

من بعيد، كان صوت الأغاني والأهازيج يرتفع، يتداخل مع وقع مناجل الحصادين الذين كانوا يعملون بجد وإخلاص. كان صوت تكسير السنابل يتردد في الأفق، يتمازج مع احتكاك أقدامهم بالجذوع المتبقية في الأرض. كانت أكوام الحبوب تتشكل ببطء، يجمعها العمال بسرعة وينقلونها إلى البيدر الواسع، حيث كان يقف بجانب شجرة خرّوب كبيرة، مغطاة بظلها الثيران السوداء الضخمة. كان أبي يتفاخر بهما بين أصحاب المزارع، يتحدث بفخر عن قوتهما وقدرتهما على العمل.

كان سعيد، مشرف الحقل، يراقب كل شيء بعينين حادتين. كان يتنقل بين العمال، يحرّك التبن ويضيف العلف للثيران، ثم يعود لملاحقة الحصادين والعمال، ينبه هذا ويحفيز ذاك. أما أبي، فقد كان يساعد في التقاط السنابل التي سقطت أثناء النقل، وينبهنا أنا وأختي كي نبقى بعيدين عن الزوايا التي قد تكون ملاذاً للأفاعي أو العقارب.

بينما كانت النساء يصلن، يحملن مظلات لحمايتهن من حرارة الشمس، كنّ يجمعن السنابل المتناثرة التي فاتت المناجل أو أيدي الحملان. كانت أيديهّن تنبض بالحيوية، وكل حركة منهن كانت تضيف إلى المشهد جواً من النشاط والهمة.

عندما حان وقت الظهيرة، وانتهت أعمال الحصاد، عدنا إلى المنزل، الذي بدأ يضيق بالعمال وعائلاتهم المدعوين لتناول الغداء. كانت وجبة الغداء دسمه ومليئة بالأطعمة الشهية التي أعدتها والدتي بحب واهتمام. في هذه اللحظات، جلسنا جميعاً حول الطاولة، وتبادلنا الأحاديث حول الموسم الرائع الذي عاشته المزرعة. كان الجميع يتحدث بفرح عن هذا الحصاد الفريد الذي لم تشهده المزرعة منذ سنوات طويلة. كانت تلك اللحظات تجمعنا وتربطنا بأرضنا، وتمنحنا شعوراً عميقاً بالإنجاز والرضا.

في ذلك اليوم، لم يكن مجرد موسم حصاد؛ بل كان احتفالية بالحياة والعمل المشترك، يملأ قلوبنا بالسعادة ويقوي روابطنا بالعائلة والأرض.



0 commentaires

Enregistrer un commentaire