lundi 19 août 2024

إنتاج كتابي حول الفلاح : حياة الطبيعة

إنتاج كتابي حول  الفلاح : حياة الطبيعة

في أحد أيام الربيع المبكرة، حين كانت السماء مزيجاً من ألوان الفجر الوردية والبرتقالية، استيقظ علي على صوت العصافير التي تغني أجمل الألحان. فتح عينيه ببطء، ثم استنشق بعمق رائحة الزهور البرية التي كانت تتسلل إلى كوخه الصغير من خلال النافذة المفتوحة. شعر علي بسعادة غامرة، وكأن شيئاً جميلاً ينتظره في هذا اليوم المشرق.

نهض من فراشه المصنوع من القش، وابتسم وهو يسمع صوت الجداول القريبة وهي تتدفق بين الصخور. توجه بخفة نحو النبع القريب، حيث غمس يديه في الماء البارد المنعش، وغسل وجهه ويديه بعناية. كانت والدته قد تركت له بجانب النافذة ثيابه النقية، والتي قامت بترتيبها بعناية مساء البارحة. ارتداها بسرعة، فهو يعلم أن قطيعه الصغير ينتظره بفارغ الصبر ليقوده إلى المروج الخضراء.

لم يكن علي مجرد راعٍ، بل كان عاشقاً للطبيعة بكل تفاصيلها. انطلق علي برفقة الماعز نحو المروج الممتدة عند سفح الجبل، وهو يغني بصوت خافت أغاني قديمة كانت تحكيها له جدته. كان الطريق مليئاً بالزهور البرية التي تتمايل مع النسيم العليل، وأوراق الشجر التي تتراقص مع كل خطوة.

عندما وصل إلى المكان المعتاد، جلس علي تحت شجرة الزيتون الضخمة التي كانت تظلله منذ أن كان صغيراً. أخذ يستمع إلى أصوات الطبيعة من حوله، العصافير التي تتنقل بين الأغصان، والأرانب البرية التي تمر مسرعة بين الحشائش. لم يكن الوقت يمر سريعاً بالنسبة له، فقد كان يشعر بكل لحظة تمر وكأنها لوحة يرسمها بيديه.

بعد فترة من التأمل، خطرت لعلي فكرة جلبت ابتسامة على وجهه. أخرج نايه الخشبي من جرابه، وبدأ يعزف أنغاماً تنساب بهدوء بين الجبال. كان يعزف بكل حب، وكأنما يتحدث مع الطبيعة بلغتها الخاصة. استجابت الماعز للحنه، فتوقفت عن الرعي بين الحين والآخر لتستمع إلى تلك الأنغام الساحرة.

مع اقتراب المغيب، عندما بدأت الشمس تنسحب ببطء خلف الجبال العالية، شعر علي بأن الوقت قد حان للعودة. جمع قطيعه بحنان، وبدأ يسير ببطء نحو الكوخ، حيث تنتظره والدته بوجبة دافئة وأحاديث المساء. كان يشعر بالراحة والرضا، فقد قضى يوماً مليئاً بالسكون والانسجام مع العالم من حوله.

وصل علي إلى الكوخ، وفي عينيه بريق الطمأنينة، فقد عاش يوماً ممتلئاً بالأمل والصفاء. جلس بجانب النار المشتعلة في المدفأة، واستمع إلى والدته وهي تروي له قصصاً عن الأيام الخوالي، قبل أن يغفو بسلام، متطلعاً ليوم جديد مليء بالمغامرات والأحلام.



0 commentaires

Enregistrer un commentaire