jeudi 19 septembre 2024

وصف عازف

وصف عازف 

في زاوية صغيرة من المسرح، يقف العازف الشاب، ممسكًا بآلته الموسيقية التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياته. كانت أصابعه تنساب بخفة فوق الأوتار، وكأنها تحاور الآلة بلطف وحنان. شعره الأسود المتموج يتطاير مع كل حركة من رأسه، وعيناه مغمضتان، وكأنه يهرب من العالم من حوله ليعيش في عوالم موسيقية أخرى، حيث تتراقص الألحان وتتشابك لتروي حكاية خاصة به.

كانت الموسيقى التي يعزفها تحكي قصة قديمة، عن الحب والفراق، عن الفرح والحزن، عن لحظات النجاح وأوقات الفشل. كل نغمة كانت تصعد من آلته كانت تعبر عن مشاعر دفينة، ربما لم يجرؤ يومًا على التعبير عنها بالكلمات. وبدلاً من ذلك، كان يترك للموسيقى مهمة البوح بكل ما في قلبه. كان العازف يسترسل في عزفه، وكل حركة من يديه كانت تحمل سرًا جديدًا، وإحساسًا مختلفًا.

الجمهور كان مسحورًا، لا يستطيع أن يرفع نظره عن هذا الشاب الذي بدا وكأنه يعيش في عالم آخر. كانت كل نغمة تعزفها آلته تأخذهم في رحلة بعيدة، إلى أماكن لم يعرفوها من قبل، لكنهم شعروا بها عميقًا في قلوبهم. كلما استمر العازف في العزف، ازداد ارتباطه بآلته، حتى كاد يصبح الاثنان كيانًا واحدًا، ينبض بالحياة.

كان هناك شيء مميز في هذا العازف، ربما في الطريقة التي كانت تتسرب بها الموسيقى من بين أصابعه، أو في تلك النظرة الهادئة التي كانت ترتسم على وجهه عندما يلمس الوتر المناسب. كان يبدو وكأنه يعرف تمامًا كيف يجعل كل نغمة تحمل في طياتها رسالة، وكأنه يريد أن يقول لكل واحد من الحاضرين: "هذه الموسيقى ليست مجرد أصوات، إنها قطعة من روحي."

في لحظة من العزف، ابتسم العازف لنفسه، ربما تذكر شيئًا جعله يشعر بالسعادة، أو ربما شعر برضا عميق عن ما يقدمه. كانت الموسيقى تتدفق بسلاسة، وكأنها مياه نهر تجري بلا توقف. ولم يكن هناك أي صوت آخر يقطع هذا الهدوء الساحر، سوى صوت العازف وآلته. وعندما انتهى من عزفه، ساد الصمت للحظة، قبل أن ينفجر المكان بتصفيق حار، وكأن الجميع أراد أن يعبر له عن مدى تأثيره فيهم.

رفع العازف رأسه أخيرًا، وفتح عينيه ليرى الجمهور يقف مدهوشًا أمامه. ابتسم بلطف، وانحنى قليلًا تعبيرًا عن امتنانه، ثم تراجع بخطوات هادئة إلى الخلف، تاركًا وراءه سحر الموسيقى الذي خلقه للتو، ليبقى في قلوب الجميع للأبد.



0 commentaires

Enregistrer un commentaire