موضوع إنشائي فلسفي حول محور الإنية و الغيرية
الموضوع : هل يمكن أن أكون إنسانا دون الغير ؟
الإجابة :
إن الهاجس الأسمى و الجوهري لكل الفلسفات المتعاقبة كان إثبات انية الانسان فسعت كل فلسفة في ذلك مسعاها فمن الفلاسفة من انطوى على نفسه تمنعا و تدبر ليعمق من استعلائه و ليجذر من تحقيره للاخر و منهم من إنخرط في العالم و حول الآخر الى وسيط يمكن الذات من فهمها لنفسها
فعلى أي نحو يمكن أن نتمثل حقيقة الانية ؟ هل يعد الغير بالنسبة الي مجرد مجرد عائق يحول دون تحقيق ماهيتي أم هو شريك في إكتمال إنيتي ؟
كل يعتقد أنه يقيم في أناه و يتصور الآخر مغاير له و مختلف عنه و هو إعتقاد يضخم من حضور الذات في مقابل تحقير الآخر و تهميشه فإما أنا و إما الاخر و حتى أكون أنا يجب نفي الآخر حيث يقول ديكارت : " عندما أمر بين الناس فكأنني أمر بين الاشجار و كأنما أصواتهم خرير بعض المياه " .
جلي إذن أن الانية الديكارتية تبدو مجردة متعالية مكتفية بذاتها فهي ضرب من الأنا وحدي مما يعني إستبعاد الاخر سواء كان الجسد أو التاريخ أو العالم موجود و إذا كان العالم الخارجي موجود و انا لا افكر فإنني لا أكون موجود فإذا أردنا أن نعرف شيئا ما معرفة خالصة يجب علينا أن نفصل عن الجسد و عن العالم و ان ننظر الى الاشياء في ذاتها و بالنفس ذاتها اذ يقول أفلاطون : " النفس مبدأ الحركة و هي متقدمة عن الجسد زمانا و قيمة و هي تقوده و تأمره بينما الجسد يطيع ".
إن معرفة الذات لذاتها و وعيها بإنيتها لا يستوجب توسط الجسد و العالم بل يستدعي التخلص من الجسد و رجوع النفس الى ذاتها تفحصا في إنيتها و قد مثل برهان الرجل الطائر لإبن سينا دليلا الى تحقق الانية بماهي ثبات و اكتمال و ديمومة فإذا جرد الانسان ذاته من كل ما يتصل بها من المدركات الخارجية و رجع الى ذاته الحقيقية فإنه يدرك بالحدس أنه ليس جسما و لا شيئا خالا في الجسم .
و لكن إعتبار الغير عائقا أو وسيلة قد يؤدي الى الوقوع في عزلة أنطلوجية لا يمكن معها تحقيق وعي فعلي بالغنية لذلك يظل هذا الموقف الميتافيزيقي نسبيا و مؤقتا و يحتاج الى مراجعة جذرية توقظ الانا من غرورها و تعاليها و هو أمر يستوجب ضرورة توسيع الكوجيتو بانفتاحه على سواه و أعترافه بالغيرية و تخليه عن أوهامها
لا توجد الذات اذن الا بمعية الاخرين سواء كان هذا الاخر الجسد او اللاوعي فالانية تتحقق من خلال انفتاح الوحدة على الكثرة الحسية سواء كانت داخلية أو خارجية فالجسد الخاص باعتباره غيرية داخلية هو المقوم الاساسي للذاتية فلا يمكن بأي حال من الاحوال ان نفصل الوعي عن العالم و الفكر عن الجسد يقول مارلوبونتي : " لسنا فكرا و جسدا , لسنا وعيا قبالة العالم فنحن فكر متجسد و كيان في العالم " .
إن الاقرار بوجود الانا كوعي متجسد في العالم هو إعتراف بالطابع المركب للوعي و منطلق التفكير في ما يتخفى وراء الوعي من آليات مكبوتة عبر عنها فرويد باللاوعي بماهو عمق نفسي خفي و محدد .
0 commentaires
Enregistrer un commentaire