mercredi 19 juin 2024

موضوع حول محور الإنية و الغيرية مع الإصلاح

  موضوع حول محور الإنية و الغيرية مع الإصلاح

السؤال : هل يمكن تعريف الإنساني بكونه مشروعا ؟

لم تتوقف الفلسفة عن دراسة الإنسان فبحثت في حقيقته و تساءلت عن منزلته الوجودية فظل مطلبا أنطلوجيا متميزا و موضوعا فلسفيا شائكا مما منع حسم تحديد واحد للإنسان و السؤال عن الإنسان ماهو إلا سؤال عن حقيقة الذات الوجودية و ماهو إنساني فيها و تحديد دلالتها من جهة التصور المثالي أو من جهة التصور التاريخي . فبم يتحدد الإنساني ؟ هل يمكن تعريف الإنساني كطبيعة معطاة و جاهزة و مطلقة تتحقق ضمن مقولة الوعي المحض أم إنه مشروع مفتوح على العالم و مهمة تتحقق ضمن جملة من الظروف و الشروط ؟ وإذا إعتبرنا أن الإنساني مشروع ، فهل تعترضه جملة من المعوقات في إتخاذه هذا المسار ؟ 
يتحدد الإنساني بماهو جملة الخصائص و السمات التي يختص بها الإنسان عن غيره و تميزه عن باقي الموجودات و هي ما يعطي الإنسان القدرة على التفكير و حفظ الكيان و كثيرا ما ينظر إليه على أنه ماهية ثابتة و حقيقة ميتافيزيقية مطلقة و معطى جاهز يتحقق ضمن مقولة الوعي المحض و أنه جوهر فكري خالص لا يحتاج الى أي شئ آخر سوى ذاته لكي يوجد فتصبح الذات نفسا مجردة واعية بذاتها في معزل عن كل المتغيرات الخارجية و المنفصلة عن كل التجارب الواقعية و يصبح الانساني ذات متعالية لا تعترف بالواقع الذي تتنزل فيه . هنا يكشف الموقف الديكارتي عن هذا التصور المثالي بإعتباره ذاتا مفكرة و جوهرا فكريا خالصا و أن حقيقة الإنساني تتحدد في إطار الوعي . و في هذا السياق تصبح حرية الانسان مطلقة في معزل عن الحتميات في حين هل يمكن أن يتحدد الانساني في إطار هذه الغيريات و إعتبارها نابتة جذريا فيها ؟ 
كرس هذا الموقف التأملي لضرب من الأنانية و أقصى كل أشكال الحتميات و إعتبرها مفصولة أنطولوجيا على دلالة الانساني في حين أنه يتحدد الانساني ضمن شروط قبلية و حتميات موضوعية و ذاتية في آن واحد فيصبح الانساني مشروعا مفتوحا على العالم و إختيارا و قرارا و مسؤولية موكولة الى الانسان حيث يصبح كائنا جدلي تشترطه الحتميات و تؤثر فيه الواقع و لكن هو من يمنح هذه الحتميات معنى و دلالة و داخلها بالظبط تظهر قدرة الانسان على تعيين إرادته و إختيار أفعاله فالانسان يتحقق ضمن عالم بينذاتي فخياراته و مشاريعه ليست معزولة عن كل المتغيرات التاريخية او العالم أو الأخرين مما يسمح بإعتبار الانسان صانع ذاته يحدد علاقته بذاته و بمحيطه الخارجي و وعيه بذاته لا يتشكل إلا ضمن وعيه بالآخرين و هنا بالظبط يتعين إنسانا حقيقية في خضم هذا الحدود تشرطه فيعترف بها و لا يخضع لها تماما بل يشكلها بما لا يلائم إرادته و بالتالي يمكن تحديد تعريف واضح و بديهي للإنساني لكونه مشروعا يتحقق ضمن مسار تاريخي و يمكن إستحضار الموقف الذي يعتبر الإنسان وضعية و ظرفا و مهمة مفتوحة على العالم يعترف بالشروط الواقعية التي يتنزل فيها و يتعامل معها بما يتماشى مع إرادته و بالتالي تتحدد دلالة الانساني في قلب الغيريات التي تخترقه أنطلوجيا و ذلك من خلال قدرته على الإختيار لنفسه و الآخرين و هكذا يتشكل مفهو الإنساني على أنه كائن الابعاد المتعددة وأنه مشروع مفتوح على كل أشكال الغيريات فيعترف بطابعها الحتمي و بمنطق الضرورة و لكن قد تعترضه بعض الصعوبات المتمثلة في كل أشكال التنميط و التوجيه المسلطة عليه و هنا يصبح الإنساني مشروع مقاومة مستدامة لهذه المعوقات لتحقيق كينونته و وجوده الفعلي .


0 commentaires

Enregistrer un commentaire